Wednesday, August 27, 2008

HOT HOT HOT Radio

رشيد نيني
هوت راديو
يستعد حكماء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لإعطاء الضوء الأخضر للدفعة الثانية من التصاريح. هكذا من المنتظر أن يمنح الحكماء الموافقة لقناتين تلفزيونيتين وخمس محطات إذاعية خاصة. والجديد في تصاريح هذه الموجة أن دفتر التحملات سيعرف بعض التعديلات، منها التناسق والتماهي بين فكرة البرنامج وتوقيت برمجته والجمهور المستهدف. أعتقد أن الوقت الذي يفصل بين انطلاق الموجة الأولى من تصاريح الإذاعات الخاصة وبين انطلاق تصاريح الموجة الثانية كاف لإصدار بعض الملاحظات حول مستوى الخدمات الإعلامية والترفيهية والموسيقية التي تقترحها هذه الإذاعات. كما أن هذا الوقت كاف لإثارة انتباه الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لخطورة بعض الانحرافات التي تروج لها بعض المايكروفونات الليلية التي ترفع شعار «لا شيء ممنوع كل شيء مباح». قبل أشهر من اليوم قررت هيئة الاتصال السمعي البصري تغريم مدير إذاعة «هيت راديو» مخالفة قدرها عشرة ملايين سنتيم، عقابا له على إخلاله بأحد بنود دفتر التحملات وأخلاقيات المهنة، ومنها فقدان أحد منشطي برامجه للسيطرة على زمام برنامجه المبثوث مباشرة على الهواء. بحيث سقط المنشط في فخ الانسياق وراء تبسيط النقاش حول المخدرات والخيانة الزوجية والشذوذ، والسخرية من المتدخلين وعدم قدرته على التحكم في البث وتسيير النقاش نحو الجدية والمهنية التي تتطلبها مواضيع حساسة مثل هذه. اليوم يبدو أن هذه الإذاعة الخاصة عليها أن تتقدم بطلب للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لكي تعدل من اسمها حتى يصبح «هوت راديو» عوض «هيت راديو». فالبرنامج الليلي الذي يقدمه المنشط الذي يلقب نفسه «مومو»، أصبح يخصص جزأه الأخير الذي يمتد إلى منتصف الليل لأحاديث ومكالمات بورنوغرافية محضة. تستعمل فيها لغة جنسية واضحة للحديث عن مغامرات واقتراحات بممارسة الجنس، تتخللها إشارات وأصوات مائعة تخاطب الغرائز الجنسية لجمهور البرنامج المكون أساسا من المراهقين. ولعل خطورة مثل هذه البرامج أنها تقدم نفسها كفضاءات إذاعية للاستماع إلى مشاكل المراهقين والشباب للبحث معهم عن حلول لها عبر الهواء. واليوم بفضل انتشار الهاتف المحمول، أصبح جل المراهقين والمراهقات لديهم خدمة الراديو في هواتفهم، ولذلك نجد أن هذا البرنامج يحظى بنسبة متابعة كبيرة مقارنة بالبرامج الأخرى. وهذا ما يدر على المحطة مداخيل محترمة بفضل خدمة الرسائل القصيرة التي يبعث بها المراهقون إلى معد البرنامج للمشاركة، أحيانا تحت تأثير التهييج الجنسي الذي تبرع فيه إحدى «المتصلات» التي تسمي نفسها «كلارا مورغان» تيمنا باسم ممثلة البورنو الفرنسية المشهورة. وإليكم بعض نصائح الخبيرة «كلارا موغان» نجمة برنامج «مومو» التي يطلق عليها لقب «المرأة الأسخن بين كل النساء الساخنات». أو كما يقولها هو بالفرنسية «la chaude des chaudes». ليلة الأحد الماضي، كان البرنامج يستضيف عبر الهاتف مكالمة من شاب يتحدث عن صديقته التي صارحته بحبها له بعد أسبوعين من بدء علاقتهما العاطفية. وبمجرد ما أنهى المتدخل مكالمته حتى تدخلت النجمة «كلارا مورغان» ونصحت الشاب المتدخل نصيحة مباشرة ولا تلميح فيها، وقالت له «يجب أن تستغل الفرصة وتنام مع تلك الفتاة». وحسب هذه الخبيرة في أمور الجنس، فعلى الشباب والمراهقين أن يناموا مع صديقاتهم ابتداء من الأسبوع الرابع لبدء علاقتهم. وقد استعملت بالحرف الكلمة الفرنسية الأكثر ميوعة لوصف الفعل الجنسي وهي فعل « sauter ». وهي كلمة مبتذلة لا يمكن أن تسمعها في برامج الإذاعات الأوربية المراقبة بصرامة من طرف هيئات الاتصال السمعي البصري، خصوصا البرامج الإذاعية الموجهة للمراهقين والشباب، فبالأحرى أن تسمعها في برنامج على الهواء مباشرة في بلد مسلم ومحافظ كالمغرب. ويبدو أن حرارة غشت قد أثرت كثيرا في الشاب «مومو» ونجمة إغرائه «كلارا مورغان»، ولم يعد الأمر مقتصرا على تحريض الشباب عبر الهواء على الفساد، وإنما تجاوزه إلى التحريض على الانحراف الجنسي. وهكذا فقد اقترحت المرأة «الأسخن بين كل الساخنات» عبر مايكروفون البرنامج ليلة الأربعاء الماضي على المنشط الناشط أن يمارس معها الجنس، وعندما انتبهت إلى ضيفه في الأستوديو عممت «كرمها» على الضيف أيضا ، وأبدت رغبتها في أن تمارس الجنس جماعيا معهما، لأنها تتوفر على مخرجين، كما قالت. ولو أننا أردنا أن نسرد كل المكالمات والتدخلات التي ترد في الربع ساعة الأخير للبرنامج، والتي تدور كلها حول الدعوة لممارسة الجنس بكل أشكاله الشاذة، لاحتجنا لعشرات الصفحات حتى نوفي الموضوع حقه. وعلى كل حال فالسيد غزالي مدير الهيئة العليا للسمعي البصري لديه تسجيلات لكل حلقات البرنامج ويمكنه أن يعود لمراجعة «اللقطات القوية» للنجمة «كلارا مورغان» المغربية وصديقها «مومو». ولعل أخطر سلوك تشجع عليه مثل هذه البرامج هو الاستخفاف بالمستمعين والسخرية منهم ومن مشاكلهم. وكمثال على ذلك مكالمة سيدة من مراكش اتصلت لكي تحكي مشكلتها مع زوجها الأجنبي العجوز الذي لم تعد تشعر معه بالسعادة، فما كان من المنشط «مومو» سوى أن ينصحها باقتناء «فيبرور» من تلك «الفيبرورات» التي تستعملها بعض النساء لتلبية رغباتهن الجنسية. وأضاف ساخرا أن هذا الفيبرور يجب أن يكون قادرا على الدوران بـ360 درجة. هذا دون أن نتحدث عن طبيعة المواضيع التي تناقش في هذه الفترة الساخنة من البرنامج، مثل حجم العضو الذكري، ومدى إعجاب «كلارا مورغان» بالأعضاء الذكرية كبيرة الحجم. أما تعابير مثل «نم معي» و«بلل ملابسي الداخلية» و«شكرا لأنك تثيرني جنسيا» و«هل تفضل من الأمام أم من الخلف»، فقد أصبحت تعابير محتشمة في البرنامج مقارنة مع ما يتم بثه على أمواج هذه الإذاعة التي كانت «كلارا مورغان» محقة عندما اقترحت على «مومو» أن يغير اسمها من «هيت راديو» إلى «هوت راديو»، نظرا لسخونة المواضيع الجنسية التي يثرثرون حولها. هذه إذن نبذة مختصرة عن بعض المصائب الإذاعية الموجهة عبر الهواء مباشرة نحو أسماع الآلاف من المراهقين والشبان المغاربة في ساعات متأخرة من الليل، في إخلال تام بأخلاقيات المهنة ودفتر التحملات. وأعتقد أن الوقت قد حان لتسجيل وقفة من أجل تأمل حصيلة عمل الدفعة الأولى من تصاريح الإذاعات الخاصة، للوقوف على عثرات البدايات وتصحيح الأخطاء القاتلة التي تعرض مستمعي بعض برامج هذه الإذاعات، خصوصا من المراهقين والشباب، إلى الانحراف. إن مسؤولية الإذاعات الخاصة في الإخبار ونشر ثقافة الحوار والاستماع إلى الآخر، وتوسيع هوامش حرية التعبير عبر مناقشة القضايا الحيوية للشباب، تبقى مسؤولية أساسية. فالإذاعات الخاصة لديها إمكانية الوصول إلى الخبر ونشره قبل الجرائد التي تحتاج إلى طبع، والتلفزيونات التي تحتاج إلى توضيب الصور والصوت. ولذلك فهي سيف ذو حدين، فإما أن نستعملها لتوعية المواطن وإخباره والترفيه عنه في احترام كامل لدفتر التحملات الذي تضعه الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وإنما أن نحيد به نحو الضفة الأخرى حيث المواضيع الجنسية المائعة، والإثارة الرخيصة اللاهثة وراء الربح المادي السريع عبر دفع المراهقين للمشاركة بالرسائل القصيرة عبر هواتفهم النقالة. والأخطر من ذلك، تحويل الحديث عن الجنس والممارسة الجنسية المنحرفة إلى موضوع للترفيه والسخرية. إن خطورة بعض هذه البرامج الإذاعية هي كون بعضها يروج أحيانا لمحللين نفسانيين لديهم تصورات خاطئة عن المبادئ الأساسية للتربية. وقد صدمت عندما سمعت أحد هؤلاء الأطباء النفسانيين ينصح الآباء في برنامج بثته إحدى الإذاعات الخاصة بالدار البيضاء، بتلقين أطفالهم ابتداء من سنتهم الثالثة أسماء الأعضاء الجنسية بوضوح. وفي رأي سعادة الدكتور فمن الخطأ أن تقول لطفلك «خطفو ليك البرطال»، بل يجب أن تصارحه بأسماء الأعضاء الجنسية كما هي معروفة، يعني أن تقول له هذا قضيب وهذا فرج، وأن الجنين ينشأ بفعل تلاقي الاثنين. هذا الكلام يجب، حسب المحلل النفساني، تلقينه للطفل منذ الثالثة من عمره. صراحة لا أعرف أين قرأ المحلل النفساني مبادئ التربية هذه، لكن العتب ليس عليه، بل على الذين أعطوه المايكروفون لكي يروج لهذه المبادئ. وهذا ما يسمى في القانون المنظم للإذاعات بعدم القدرة على التحكم في البث. ومن لا يستطيع أن يتحكم في بث برنامجه المباشر فيجب أن يبحث له عن مهنة أخرى غير تنشيط برنامج مباشر. فليس النشاط ما يخص في هذه البلاد.


No comments: